مقالات الرأي الطبيمقالات طبية

ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم – الفصل العاشر من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء”

هذا هو الفصل العاشر من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء” – لمؤلفه الدكتور عصام منصور – ويعرض هذا الفصل عدة ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم ويعرض قول ابن القيم عن الطب النبوي في كتاب الداء والدواء ويعرض أحاديث عن فوائد نبات الهندباء من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم وما قاله ابن القيم عن فوائد نبات الهندبا وغيره مما يتم العلاج به على أنه طب نبوي وخطورة اعتبار الطب من علوم الدين) )

انتقل للفصل التاسع “هل بعث النبي طبيباً؟ هل كان النبي يعالج نفسه؟” من هنا


ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم

هذا الكتاب بصفة خاصة يكاد يكون هو مرجع كل المتحدثين عن الطب النبوي والمعالجين به, وقليل منهم من يعرف كثيراً عن الكتاب, وإن كان مصنفه رحمه الله معروف لأكثر المسلمين, وهذا ما يجعل الكتاب مرجعاً معتمداً لدى الكثيرين دون تفكير.

ولمن لا يعرف ابن القيم يكفيه أن يعرف لقبه بين أهل العلم, فهو الإمام المحدث المفسر الفقيه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي المتوفي سنة 751 هـ, وهو تلميذ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية, ويصعب أن تحكم أيهما كان أكثر علماً, وله شيوخ غير ابن تيمية كلٌ له في العلم ثقله, وهذا ما يجعل الحديث حول كتاب “الطب النبوي” جزءا هاما في هذا البحث.

الذي يجب لفت الأنظار إليه أن ابن القيم رحمه الله مات دون أن يعلم أن له كتاباً بهذا الإسم!

ولكنه صنف كتابه البديع “زاد المعاد في هدي خير العباد” يجمع فيه أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وكثيراً من أحاديثه حتى مات , وضمنها هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب والملبس والتداوي وغيرها, فجاء من أخذ الجزء الخاص بهديه صلى الله عليه وسلم في التداوي وجعله كتاباً منفصلاً سماه “الطب النبوي” فأصبح مشهورا باسم “الطب النبوي لابن القيم”، ولم يظهر هذا الكتاب إلا في الخمسين سنة الأخيرة، وقبل ذلك لم يكن له وجود وإنما كان ضمن فصول كتاب “زاد المعاد”، وهذا ما يفسر الإهتمام المفاجيء بهذا الموضوع في السنوات الأخيرة. والمتتبع لتاريخ الفقه الاسلامي لا يجد حدوث شىء كهذا ولا قريباً منه بخصوص ما يسمى بالطب النبوي على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان.


أحاديث عن فوائد نبات الهندباء – هل الهندباء البرية من الطب النبوي؟

وهذه التسمية فيها ظلم بيٍن للطب النبوي ولابن القيم أيضا , لأن ما كتبه الرجل في الكتاب لا يقصد فيه هذا المعنى, ولا هو يصلح أن يكون طباً نبوياً, وإنما ضَمنه ضمن ما كتب فيه أحاديث كثيرة غير صحيحة, وقد نص على ذلك, ثم بدأ يتحدث حول ما جاء بالحديث الموضوع بخبرته وعلمه الدنيوي, وأخذ الناس كلامه هذا على أنه طب نبوي, لذلك أقول إنهم ظلموه وظلموا الطب النبوي إن جازت هذه التسمية, وأضرب مثالاً على ذلك في أحاديث أورد فيها نبات “الهندبا” فقال : في صفحة 400 من طبعة مؤسسة الرسالة من كتاب الطب النبوي :

” هندبا: ورد فيه ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يثبت مثلها, بل هي موضوعة.
أحدها : ” كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس يوم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه “.
الثاني : “من أكل الهندباء ثم نام لم يحل فيه سم ولا سحر”.
الثالث: “ما من ورقة من ورق الهندباء إلا عليها قطرة من الجنة”.

وبعد أن ذكر الأحاديث الثلاثة الموضوعة وقطع الصلة بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم, يبدأ يتحدث حديثا لا علاقة له بالدين حول نبات الهندباء فيقول:

“وبعد فهي مستحيلة المزاج, منقلبة بانقلاب فصول السنة, فهي في الشتاء باردة رطبة وفي الصيف حارة يابسة, وفي الربيع والخريف معتدلة, وفي غالب أحوالها تميل إلى البرودة واليبس, وهي قابضة مبردة, جيدة للمعدة, وإذا طبخت وأكلت بخل, عقلت البطن وخاصة البري منها, فهي أجود للمعدة, وأشد قبضا, وتنفع من ضعفها.

وإذا تضمد بها, سلبت الالتهاب العارض في المعدة, وتنفع من النقرس, ومن أورام العين الحارة و وإذا تضمد بورقها وأصولها, نفعت من لسع العقرب, وهى تقوي المعدة, وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء, وتنقى مجارى الكلى.
وأنفعها للكبد أمرها, وماؤها المعتصر ينفع من اليرقان السددي, ولاسيما إذا خلط به ماء الرازيانج الرطب, وإذا دق ورقها , ووضع على الأورام الحارة بردها وحللها, ويجلو ما في المعدة, ويطفىء حرارة الدم والصفراء, وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة, لأنها متى غسلت أو نفضت, فارقتها قوتها, وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم” (انتهى كلام ابن القيم).

بعد ذلك نجد أناسا يصفون الهندباء لعلاج هذه الأوجاع على أنها طب نبوي لورودها في كتاب “الطب النبوي ” لابن القيم , فهل للنبي علاقة بذلك؟!

أليس هذا كذباً عليه صلى الله عليه وسلم, ألا يخشى من يفعل ذلك أن يصيبه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم” إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ” .

ذكر ابن القيم فوائد كثيرة عن نبات الهندباء مع أن الأحاديث التي ذكرها عن فوائد نبات الهندبا أحاديث موضوعة - ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم
ذكر ابن القيم فوائد كثيرة عن نبات الهندباء مع أن الأحاديث التي ذكرها عن فوائد نبات الهندبا أحاديث موضوعة – ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم

في موضع آخر من الكتاب يتحدث حول آية الحج من سورة البقرة, فيصول ويجول برأيه في تبيان الحكمة من الآية, مستخدماً العلم الطبي الضحل الموجود وقتها فيقول:

فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك” فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما, أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر, فإذا حلق رأسه, تفتحت المسام, فخرجت تلك الأبخرة منها, فهذا الإستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه” (انتهى كلام ابن القيم).

وعلماء الأصول يعرفون القياس بأنه إلحاق فرع بأصله في الحكم لعلة بينهما, وهكذا جعل الشيخ ما افترضه من وجود أبخرة رديئة في الرأس, وهو خرافة الآن لم يقل بها علم ولا دين, جعل هذه الخرافة أصلاً يقاس عليه!

وفي موضع آخر من نفس الكتاب يقول وهو يتحدث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع يقول :

“والصداع يكون له أسباب عديدة:”

ثم يذكر أسباباً عديدة لا علاقة له بما ثبت في الطب ولم يقل به شرع, ولكنه لا يلام عليها لكون هذا الكلام منذ نحو سبعمائة عام وهو ليس بطبيب فيقول مثلاً:

  • يكون من قروح تكون في المعدة, فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
  • ومن ريح غليظة تكون في المعدة, فتصعد إلى الرأس فتصدعه.
  • يكون من ورم في عروق المعدة, فيألم الرأس بألم المعدة للإتصال الذي بينهما.
  • صداع يحصل بعد القيء والإستفراغ , إما لغلبة اليبس , وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
  • ما يحدث من شدة الجوع, فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه, فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه (إلى هنا انتهي كلام ابن القيم في كتاب الطب النبوي) .

والمشكلة ليست في سذاجة هذا الكلام الذي لم يكن ساذجاً يوم قيل, فابن القيم عالم لا يبارى عندما يتحدث في الشريعة, وله من المصنفات في ذلك ما لم تزل مراجعا ينهل منها العلماء دون أن يستطيعوا الإتيان بمثلها (كالفوائد وإغاثة اللهفان والجواب الكافي وغيرها), أقول ثانية, المشكلة ليست في سذاجة كلامه عن الطب التي ثبت يقينا أنه كلام لا أصل له في الطب, ولكن في وروده في كتاب إسمه “الطب النبوي” وإن كان الرجل رحمه الله كما كررنا لم يسمه بذلك.


خطورة اعتبار الطب من علوم الدين

خطورة اعتبار الطب من علوم الدين - ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم
خطورة اعتبار الطب من علوم الدين – ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم

ينشأ عن ظن الناس أن مثل هذه السذاجات التي ذكرها ابن القيم في كتابه وهو يتحدث عن علمه بطب بدائي, يتخيل فيه الجسم ممتلئا بأبخرة تدور في الجسم محاولة الخروج, أو تنتظر الطعام لتهضمه, أو بعلمه الخاص الذي قد يصح أو لا يصح عن عشب ورد اسمه في حديث ذكر هو أنه موضوع, وكذلك في شغف الناس بكل أمر يتصل بالطب جاء له ذكر أو إشارة في آية أو حديث دون الرجوع إلى العلماء واعتبار هذا علم شرعي, فعندما يظن الناس هذا طباً نبوياً, كما هو واقع الآن يحدث الآتي:

• تعطى هالة من القدسية لهذا الكلام على أنه طب نبوي, ويأخذون في التداوي به بهذه الصفة, في منطقة حساسة يحذر الإقتراب منها, لأن من يشكك فيها ولو بأدلة شرعية يعتبره العامة مشككاً في السنة جهلاً منهم.

• في حالة عدم الشفاء, وهذا وارد ومشاهد وكثير, لأنه خبرات بشر في طب بدائي مر عليها مئات السنين, ومعلوم الآن أن الطب من العلوم التي تتقدم كل يوم مرحلة, فكيف نعود بها ألف ألف مرحلة, بدعوى أنها طب نبوي وقد قام الدليل على غير ذلك, فينشأ عن عدم الشفاء حيرة وعدم اتزان نفسي, قد يصاحبه لدى العامة شك في الشريعة نفسها, لأنه لا يعلم أن ما مورس معه ليس له علاقة بالشريعة التي ظلموها بإقحامها في غير ميدانها.

• قد يمارس البعض ممارسات طبية ليس لها علاقة بالسنة التي قالت “أنتم أعلم بأمر دنياكم”, وعن الطب المعتمد لدى الأمم كلها, فيكون في ذلك صد عن سبيل الله للذين يريدون أن يعلموا شيئا عن الإسلام ,
فيكون منتهى علمهم ما يرون عليه المسلمين في هذا الشأن, فيصدهم حال المسلمين الغارقين في العلاجات البدائية على أن هذا دين, يصدهم ذلك أن يحاولوا معرفة هذا الدين فيكفي حال أصحابه للدلالة عليه, ولا يغري هذا غير المسلمين بمحاولة معرفة شيء عن الإسلام فالإسلام واضح أمامهم في صورة أتباعه الذين يموتون لإصرارهم على ترك العلم الحديث والتداوي بما يظنونه طباً نبوياً.

• كثير من الذين يحاربون دين الله, ويريدون تشكيك المسلمين في دينهم يغوصون في هذه الكتب, ويتصيدون بعض هذه الأمور التي ظنها الناس طبا نبويا له قداسة, ويعرضونها على المسلمين بكثير من الإستخفاف, ويقولون هذا دينكم , وهذا في ظني سبب هام وطريقة متبعة رأيتها بنفسي تسببت في تنصير بعض عامة المسلمين, باستخدام مثل هذه الأمور, تماما كما يفعلون عند الغوص في كتب التفسير واستخراج ما لم يصح سنده, ولم يقبله عقل سليم وليس هو من الدين أصلا, ولربما نبه إلى ذلك صاحب التفسير, ثم يعرضونه على عامة المسلمين على أن هذا دينهم مستغلين جهلهم به .


قول ابن القيم في الطب النبوي في كتاب الداء والدواء “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”

والآن ننظر إلى ابن القيم المنسوب إليه كتاب “الطب النبوي” كيف كان يتداوى لنعلم أننا ظلمناه وحملناه ما لم يحمل, يقول الرجل في الجواب الكافي:

“لقد مر بي وقت في مكة سئمت فيه, ولا أجد طبيباً ولا دواءاً فكنت أعالج نفسي بالفاتحة, فأرى لها تأثيراً عجيباً, آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام, ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع , فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما فكان كثير منهم يبرأ سريعا “

وهكذا يقول الرجل أنه لما مرض بحث عن طبيب فلم يجد, وعن دواء فلم يجد, فعالج نفسه بماء زمزم لأن فيها حديث , وقرأ عليه سورة الفاتحة لأن فيها حديث , فهذا فهم سريع لمقالته يكفي لأن ننفي عنه أمورا كثيرة ألصقت به في شأن عمله بالطب وتأليفه فيه , ولكن نظرة أعمق قليلاً تقول أن بحثه عن طبيب تعني أنه ينفي عن نفسه كونه طبيبا وإلا عالج نفسه بالأدوية, ثم نصه في آخر كلامه على أن كثيراً منهم كان يبرأ ولم يقل كلهم, هو فهم منه لأن هذه الرقية لا تشفي كل الأمراض, وورع جعله يذكر الحقيقة كما رآها دون أن يزينها بادعائه أن كلهم كان يشفى.

وما أوقع أن نذكر فقرة من كتاب (زاد المعاد) لابن القيم مما سمي فيما بعد بـ “الطب النبوي” وهو يتحدث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التداوي, لنعرف أنه لم يكن يقصد ما ظنه الناس طباً نبوياً, وأنه كان يعي تماما لماذا أرسل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول :

(وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية
والثانى: بالأدوية الإلهية
والثالث: بالمركب من الأمرين
ونحن نذكر الأنواع الثلاثة من هديه صلى الله عليه وسلم, فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التي وصفها واستعملها ,ثم نذكر الأدوية الإلهية, ثم المركبة.

وهذا إنما نشير إليه إشارة , فإن رسول الله إنما بعث هادياً , وداعياً إلى الله وإلى جنته, ومعرفا بالله, ومبيناً للأمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها, ومواقع سخطه وناهيا لهم عنها , ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم, وأخبار تخليق العالم وأمر المبدأ والمعاد, وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها, وأسباب ذلك (إلى هنا انتهى كلام ابن القيم).


وبعد أن عرض الكاتب ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم وعرض قول ابن القيم عن الطب النبوي في كتاب الداء والدواء وعرض أحاديث عن فوائد نبات الهندباء وغيره مما يتم استعماله كعلاج تحت مسمى الطب النبوي وعرض خطورة اعتبار الطب من علوم الدين، يلخص الدكتور عصام منصور في الفصل الأخير من كتابه “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء أهم ما تم عرضه في هذا البحث الفريد من نوعه عن الطب النبوي”

انتقل للفصل الحادي عشر “خلاصة الكلام في الطب النبوي” من هنا

د.محمد منصور

دكتور محمد منصور طبيب الباطنة والكلى مستشفيات جامعة ليستر - بريطانيا مؤسس قناة و موقع الدكتور

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى