مقالات الرأي الطبيمقالات طبية

هل بعث النبي طبيباً؟ هل كان النبي يعالج نفسه؟ – الفصل التاسع من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء

(هذا هو الفصل التاسع من كتاب: الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء – لمؤلفه الدكتور عصام منصور – ويعرض الكاتب في هذا الفصل الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث طبيباً، وأجاب على الأسئلة الهامة التي تتكرر مثل: هل بعث النبي طبيباً؟ هل كان النبي يعالج نفسه؟ هل الطب النبوي تشريع أم أمر من أمور الدنيا؟ هل يعلم النبي الغيب؟ ويشرح معنى حديث من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن)

انتقل للفصل الثامن من هنا : رأي الشيخ القرضاوي في التداوي بالقرآن – حقيقة الحبة السوداء


هل بعث النبي طبيباً (صلى الله عليه وسلم)؟

من الأمور التي فصلها الله تفصيلاً وكررها أكثر من مرة هي النص على بشريته صلى الله عليه وسلم فقال له” قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلىَّ … “سورة الكهف”.

وعندما طلب منه الكفار أمورا للتعجيز قال تعالى حكاية عن ذلك في سورة الإسراء “وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً, أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً, أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملآئكة قبيلاً, أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً”

وقد أمره الله عز وجل أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب “ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء … ” (سورة الأعراف),

ولا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم , ولا غيره من الأنبياء الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضي من رسول” (سورة الجن),

ولهذا وقف الهدهد أمام سليمان عليه السلام, وهو يعلم أن ما رآه في مملكة بلقيس وأصبح حاضراً عنده لرؤيته إياه هو ما زال غيباً عند سليمان فقال له “أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين” ولم يدع سليمان أنه كان يعلم ما رأي الهدهد وإنما قال له “سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين”,

وهكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم من الغيب شيئا إلا أن يطلعه الله عليه, كما أطلعه في مواقف كان يحتاج فيها إلى ذلك, مثل إخباره بأمر المرأة التي أرسلها حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة لتخبر أهلها أن المسلمين آتون لفتحها,

وكما أخبره عن مكان ناقته الضالة عندما استهزأ بذلك المنافقون, فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية “وزيد بن اللصيت وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها فذهب رجال من المسلمين فوجدوها كما قال”,

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما هو بشر كسائر البشر في الأمور الدنيوية, إلا أنه عند الله وعند المؤمنين خير البشر,

وما أجمل ما قال البوصيري في حقه :
فمبلغ العلم فيه أنه بشر …… وأنه خير خلق الله كلهم


وعندما خاطب الله نبيه مبيناً أسباب إرساله له قال:
“يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً” (الأحزاب)

ووظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وضحها القرآن في دعوة سيدنا إبراهيم حين قال:

“ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم” (البقرة)

وقال أيضاً: “هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” (الجمعة)

كما قال سبحانه: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة” (آل عمران)

فليس من وظيفة النبى صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس فنون الطب أو فنون الزراعة و الصناعة.

نعم قد يحث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تعلم ذلك وإتقانه, ففي مجال الطب الذي هو موضوعنا يأمر الطبيب بأن يتقن علمه ولا يتعرض لعلاج الناس حتى يكون على علم يجنبه أن يضر النفوس والأبدان, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم يُحَمّلُه ضمان ما أفسد بجهله.

وانظر إلى مدعي العلاج بالطب النبوي, كم هم الآن, فتجد المدعين بأنهم أطباء نبويون في أي مكان بحثت فيه, لأنه علم بلا تكاليف ولا مؤهلات, ويستطيع أن يدعيه كل أحد, هذا غير العائد المادي الذي جعل من بعضهم أغنى طبقات المجتمع, ولا نشكك في نوايا الكل بطبيعة الحال, وانظر ماذا يعلمون وكيف يعملون , وكم يضرون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!

ولن أتحدث عن تجربتي الشخصية كطبيب وتجربة الأطباء ممن أعرف, والكم الذي قتل أو أضير بسبب هذه الممارسات على أنها طب نبوي في أمراض عضوية, وكم هم مرضى السكر والضغط والقلب والصرع الذين أمروهم بترك العلاج ففعلوا, فمات من مات, وتضاعف عليه مرضه من تضاعف،

لن أفصل في هذه النقطة لأن البحث أريده أن يكون علمياً وشرعياً, لا أحتج فيه بتجربة شخصية إلا استئناساً بعد أن يثبت الأمر بغيره من الأدلة الأقوى, لأنه كما يقول علماء المنطق “الدليل إذا تطرق إليه الشك سقط به الإستدلال”, ولأنني في هذه الحالة سأعطي الحق لمن يدعي التجربة الشخصية في العلاج النبوي, ويدعي كل ما شاء, ويختلط الحابل بالنابل, ولكن الدليل الشرعي مقدم على كل الأدلة, والإستدلالات العلمية التي ذكرتها إنما هي تبع للدليل الشرعي الذي يقول “أنتم أعلم بأمر دنياكم”.

معنى من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن

وفي النسائي : أخبرني عمرو بن عثمان ومحمد بن مصفى قالا: حدثنا الوليد عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن”

قوله “من تطبب” أي تكلف في الطب وهو لا يعلمه فهو ضامن لما أتلفه بطبه.

أورد النسائي هذا الحديث في باب القسامة وهو يتحدث عن “شبه العمد”، بمعنى أنه يرى أن الطبيب الجاهل إذا قتل بجهله فهذا ليس قتلاً خطأ وعمداً ولكنه شبه عمد.

وقد ذكرت سابقا لابن حجر العسقلاني في الإصابة قوله “وروى ابن منده من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال مرض سعد فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال “إني لأرجو أن يشفيك الله” ثم قال للحارث بن كلدة “عالج سعداً مما به” فذكر الخبر قال ابن أبي حاتم لا يصح إسلامه وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب” (انتهى كلام ابن حجر).

وفي هذا القول شواهد منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعالج سعداً بنفسه, ولو كان يمارس الطب لفعل, وإنما رجا له الشفاء من الله, ثم دفعه لطبيب يداويه, فلو كان الدعاء يكفي ويغني لكان النبي اكتفى به, ومعلوم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب, ولكن لابد من الأخذ بأسباب الطب مع الدعاء,

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك الطب النبوي لما تأخر عن علاجه فلم يكن يتأخر عن خير يستطيع أن يقدمه لأحد من البشر, فكيف يتأخر عن سعد وهو خاله الذي كان يفخر به ويقول عنه “هذا خالي فليرني أمرؤ خاله” رواه الترمذي وقال حسن غريب,

والشاهد الثاني أنه أجاز لغير مسلم أن يعالجه, فلم يكن الحارث بن كلدة مسلماً, وبديهي أن غير المسلم لن يعالج المرضى بالسنة أوالقرآن أو بما يسمى بالطب النبوي, ولو كان هناك طباً نبوياً لما رضي النبي لغير المسلم أن يعالج المسلم ولدفعه إلى أحد أصحابه يعالجه بالطب النبوي إن لم يعالجه بنفسه .


هل كان النبي يعالج نفسه؟ (صلى الله عليه وسلم)

تعلمت عائشة رضي الله عنها الكثير من العلاجات التي كان الأطباء يعالجون بها الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه - هل بعث النبي طبيباً؟ - هل كان النبي يعالج نفسه؟
تعلمت عائشة رضي الله عنها الكثير من العلاجات التي كان الأطباء يعالجون بها الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه – هل بعث النبي طبيباً؟ – هل كان النبي يعالج نفسه؟

السيرة تقول أنهم كانوا يجلبون له صلى الله عليه وسلم الأطباء في آخر حياته يعالجونه بأدويتهم, حتى تعلمت عائشة رضى الله عنها كثيرا من الأدوية التي كانت معروفة للأطباء يومئذ منهم, فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده أن هشام بن عروة قال كان عروة يقول لعائشة : يا أمتاه لا أعجب من فهمك, أقول زوجة رسول الله وبنت أبي بكر, ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس, أقول ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو؟

قالت فضربت على منكبه وقالت: أي عرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم علينا وفود العرب من كل وجة فتنعت له الأنعات وكنت أعالجها له فمن ثم (أى فمنهم) تعلمت الطب.

ولو كان هناك طباً نبوياً لما احتاجوا أن يستجلبوا الوفود من هنا وهنا ويأخذون بطبهم فتتعلمه عائشة, ولكان أولى بها أن تتعلم الطب من خير البرية وهو زوجها صلى الله عليه وسلم .

قول آخر للعلامة الشيخ الدكتور الأشقر

يقول الدكتور محمد سليمان الأشقر وقد سبق التعريف به “أما من حيث التفصيل فقد قال ابن خلدون: “الطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل (يعني طب البادية المبني على تجارب قاصرة) وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات.

وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع. فقال: ” أنتم أعلم بأمور دنياكم “. قال: “فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم النفع، وليس ذلك في الطب المزاجي”.

وللشيخ أبي زهرة قول

ويقول الشيخ محمد ابو زهرة رحمه الله في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية عن حديث تأبير النخل: “الحديث يتعلق بالصناعات وفنون الزراعة، وتثمير الأشجار، فهل يتصور أن النبي يمكن أن يكون حجة وذا خبرة في فنون الزراعة والتجارة، وصناعة الزجاج والجلود، ونسج الأقطان والحرير، وغير ذلك مما يتعلق بالمهن المختلفة!؟ إن كانوا يتصورون ذلك، فقد خلطوا خلطاً كبيراً، ولم يميزوا بين رسول جاء بشرع من السماء، وصانع ذي خبرة فنية، وتاجر عالم بالأسواق.

إن الحديث وارد في مثل موضوعه، وهو تأبير النخل وغيره من الصناعات والزراعات ونحوها، فما كان الرسول مبعوثاً لمثل هذا، والتشريع فوق هذا، وهو الذي جاء به النبي” (انتهى كلام الشيخ أبي زهرة).


وبعد أن عرض الكاتب الدكتور عصام منصور الأدلة من الكتاب والسنة وقول العلماء في هذا الفصل من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء” على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث طبيباً، وأجاب على الأسئلة الهامة التي تتكرر مثل: هل بعث النبي طبيباً؟ هل كان النبي يعالج نفسه؟ هل الطب النبوي تشريع أم أمر من أمور الدنيا؟ هل يعلم النبي الغيب؟ وشرح معنى حديث من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن, فإن الكاتب ينتقل في الفصل العاشر من الكتاب لمناقشة بعض الملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم”

انتقل للفصل العاشر: “ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم” من هنا

د.محمد منصور

دكتور محمد منصور طبيب الباطنة والكلى مستشفيات جامعة ليستر - بريطانيا مؤسس قناة و موقع الدكتور

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى