مقالات الرأي الطبيمقالات طبية

نبذة تاريخية عن الطب النبوي – الفصل الثاني من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء”

نبذة تاريخية عن الطب النبوي: هل الطب النبوي فعلاً نبوي؟ (تاريخ الطب النبوي)

(هذا هو الفصل الثاني من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء” للدكتور عصام منصور، وفي هذا الفصل يبحث المؤلف في تاريخ الطب النبوي ويعرض نبذة تاريخية عن الطب النبوي ليكشف عبر البحث في كتب السنة والحديث وعبر عرض تاريخ كتاب “الطب النبوي لابن القيم” هل الطب النبوي فعلاً نبوي؟)

انتقل للفصل الأول من هنا: ((الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء))


لم يرد لفظ الطب النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين, وإنما وردت أحاديث كثيرة عن تداوي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لأصحابه بالتداوي بصفة عامة كما في مسند الإمام أحمد من حديث زياد بن علاقة, عن أساءة بن شريك قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : ” نعم يا عباد الله تداووا , فإن الله عز وجل لم يضع داءا إلا وضع له شفاء غير داء واحد ” , قالوا : ما هو ؟ قال : ” الهرم ” وقال عنه الترمذي : حسن صحيح.

وفي الإصابة لابن حجر العسقلاني قال : ” وروى ابن منده من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال مرض سعد فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأرجو أن يشفيك الله، ثم قال للحارث بن كلدة: عالج سعداً مما به”, وأخرج مالك في ” الموطأ ” عن زيد بن أسلم مرسلا ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين: أيكما أطب؟ قالا: يا رسول الله وفي الطب خير؟ قال: أنزل الداء الذي أنزل الدواء“.

وفي مسند الإمام أحمد “حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع له عرقا ثم كواه عليه “.‏

وأحاديث أخر عن أخذه صلى الله عليه وسلم بسبب محدد من أنواع الطب الموجود وقتها كالحجامة والكحل وغيرها, مع اختلاف صحة هذه الأحاديث ما بين الصحيح ودونه .


وقد اشتهر عند العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض طبيبا أرسله إليه المقوقس وقال له “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع , وإذا أكلنا لا نشبع” , وبالبحث عن هذا القول لم يوجد في كتب السنة المعروفة سواء كانت الصحاح الستة أو غيرها , وإنما وجد في كتاب السيرة لمحمد رشيد رضا المعنون “محمد صلى الله عليه وسلم” حيث قال إن (حفني بك ناصف) ذكر الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وبعد أن عددها قال في آخرها ما نصه “ويقال أنه كان من ضمن الهدية طبيب فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم :

“إرجع إلى أهلك, نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع” , فلم يخرجه كحديث فيذكر لنا مصدره وصحته, بل قدم له بكلمة ( يقال ) وهي معروفة عند أهل المصطلح بأنها لفظ من ألفاظ التضعيف .

وعندما صنف العلماء كتب الأحاديث في العصر الزاهر لهذا العلم, بوب كثير منهم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحت عناوين مختلفة مثل ( كتاب الطب ) في صحيح البخاري, وصنف الترمذي تحت اسم ” الطب “ولم يذكر كلمة ( النبوي )

و” هدي النبي ً في التداوي ” في زاد المعاد لابن القيم المتوفي سنة 751 هـ وهو يتحدث عن أمراض القلوب وأمراض الأبدان, وغيرهم , وإن كانت جميعا بذات المعنى تقريبا وليس بينها لفظ ( الطب النبوي ), كما جاء علماء جمعوا ما تفرق في هذا الشأن وسموه الطب النبوي في عصور متأخرة بعد الثلاثة قرون الأولي كما فعل أبو بكر ابن السني المتوفى في سنة 346 هـ, وأبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ وأبو عبد الله الذهبي المتوفى سنة 748 هـ في كتب خاصة سموها ” الطب النبوي ” .


كما قام بعض الناشرين مثل مؤسسة الرسالة ببيروت بنشر ماذكره ابن القيم في كتاب” زاد المعاد في هدي خير العباد ” عن هدي النبي في التداوي فقط في كتاب مستقل سمته ( الطب النبوي ) وقام الأخوان شعيب وعبد القادر الأرناؤوط بالتعليق عليه وخرجا أحاديثه, وهو المشهور بين الناس , حتى ظن العامة وكثير من الخاصة أن ابن القيم رحمه الله له كتاب اسمه ” الطب النبوي ” .


هل الطب النبوي فعلاً نبوي؟ - نبذة تاريخية عن الطب النبوي - تاريخ الطب النبوي - موقع الدكتور
نبذة تاريخية عن الطب النبوي – تاريخ الطب النبوي – موقع الدكتور

و يبين معتز الخطيب في بحث له بمؤتمر عن ” الطب النبوي ” بدبي سنة 2004م أن أصل إطلاق “الطب النبوي ” لدى الأئمة المتأخرين من علماء الحديث خاصة، يُراد به تلك الأحاديث الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل تتعلق بالطب: من علاج ودواء ووقاية ورقية ونحوها. غير أنه بهذا اللفظ: “الطب النبوي” تعبير مستحدث في حدود القرن الرابع الهجري.

ويقول: إن الوعي الفقهي في القرون الأولى كان في حدود جواز التداوي، وأن الطب له منافع، وعلى هذا المستوى دار الجدل ابتداء, ففي القرن الهجري الأول إلى منتصف القرن الثاني لم يبلغ الطب عند العرب “رتبة العلم المتقن، بل اقتصر على بعض المعلومات المكتسبة بالاختبار”. ويبين أن حركة الترجمة وانفتاح المسلمين على الثقافة اليونانية، هو ما ساعد على تلك النهضة الطبية في صدر الإسلام، دون توقف عند ملة الطبيب أو الطب ومصدره.
ويوضح أن كتب ما يسمى بالطب النبوي، لا ترقى إلى مستوى “العلم” الشامل، بل هي شذرات من هنا وهناك، وهو في غالبه يدور حول توجيهات عامة، فهو لا يتضمن نظرية طبية محددة حتى يسمى علما.

كما أن الانشغال بما عرف بالطب النبوي هو انشغال حديثي بالدرجة الأولى؛ فهو بالأصل باب من أبواب الحديث، ونهضة الطب تمت بمعزل عن الوعي الفقهي والحديثي معا، ومع ذلك نجد أن كتب شروح الحديث أفادت من الطب اليوناني.

هذا كله يعني أن كلام ابن رشد حين تحدث عن إسقاط الاعتبار بالملة، مقابل اعتبار النفع والصحة، كان له مصداق واقعي في تاريخ الحضارة الإسلامية ومفاعيلها. في حين أن الفصل التام الذي يحدث الآن، بالحديث عن طب غربي، وآخر إسلامي، وثالث نبوي، والتمحور حول تحصينات ودفاعات هوياتية في مقابل اضطراب علاقتنا مع الغرب في العقود الأخيرة، وفي سياق رحلة الأسلمة وابتذالاتها من قبل العديد من المتحمسين للإسلام، هذا كله يعني أن الوضع الإسلامي ليس بعافية ( انتهى كلام معتز الخطيب ) .


انتقل للفصل الثالث من هنا: ((علاقة الطب النبوي بالسنة النبوية))

د.محمد منصور

دكتور محمد منصور طبيب الباطنة والكلى مستشفيات جامعة ليستر - بريطانيا مؤسس قناة و موقع الدكتور

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى