مقالات الرأي الطبيمقالات طبية

خلاصة كتاب الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء – الفصل الحادي عشر

خلاصة كتاب الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء

(هذا هو الفصل الحادي عشر والأخير من كتاب: الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء – لمؤلفه الدكتور عصام منصور ويعرض هذا الفصل خلاصة الكلام في الطب النبوي و ملخص كتاب الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء عبر عرض ملخص الحالات التي يتقاطع فيها الطب مع النصوص الشرعية وكيف يجب العامل معها)

يمكنك الانتقال للفصل العاشر: “ملاحظات حول كتاب الطب النبوي لابن القيم” من هنا


يمكن إجمال ما قيل مفصلاً في أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التداوي له أحوال:

فقد يكون إعجازا يلفت الله به أنظار الناس إلى صدق نبوته صلى الله عليه وسلم, وهذه تخرج عن الحديث عن اتباعه فيها من عدمه.

وقد يكون نهياً عن أمور كانت مستخدمة في العلاج قبل الإسلام تنافي التوحيد, مثل تعليق خرزة أو ربط حلقة على العضد ظناً أن فيها شفاءاً لبعض الأمراض أو تعليق تمائم , وكالتولة التي تصنعها المرأة تتحبب بها إلى زوجها, فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا كله , فهذه الأمور لا يجوز التداوي بها للنهي عنها صراحة .

وقد تكون رقى شرعية بآيات قرآنية, ومن الأفضل أن يكون قد أثر الرقية بها، لأن النبي قال للرجل الذي رقى بالفاتحة “أما علمت أنها رقية؟” بمعنى أن الفاتحة تحديداً رقية, وإن كان كثير من العلماء يرى أن القرآن كله شفاء, واتفقوا على كونه “شفاء لما في الصدور” بنص القرآن الكريم , أي أمراض الإعتقاد وخلل التصور الإيماني, وكذلك الأمراض النفسية, فلسنا في حاجة لأن نستورد للطب النفسي علاجا من غيرنا, فعندنا شفاء لما في الصدور وليس عندهم, والمعالجة بالقرآن هنا مقبولة بل مطلوبة, ممن يحسنها وينضبط بضوابط الشرع,

ولكن نلاحظ هنا ايضا أن كلمة ” شفاء ” جاءت بالتنكير, فلم يقل سبحانه “الشفاء”, وذلك أن بعض الأمراض التي نسميها نفسية, سببها عضوي, وهذه تعالج بالعقاقير, كما أن بعض الأعراض التي ظاهرها عضوي حقيقتها مرض في النفس, والعلاج بالرقى الشرعية هنا أجدى من الأدوية والعقاقير, ولكن في الحالتين يجب عرض المريض أولاً على الطبيب ليحدد أي النوعين من المرض هو , وعليه يحدد أى العلاجين أجدى وأنفع لهذا المريض بعينه,

وعلاج المرء لنفسه بالرقى والأدعية المأثورة أولى, لأنه مريض والمريض مضطر , والله يقول “أمن يجيب المضطر إذا دعاه” وهذا ما قاله طاووس رضي الله عنه لمريض ذهب يعوده فطلب منه الدعاء, فقال له طاووس”أدع لنفسك فحالك أرجى للإجابة”.


والنوع الآخر من العلاج هو ما كان لمرض عضوي, و قام الدليل على كونه وحياً, مثل حديث “صدق الله وكذب بطن أخيك” فإن قول النبي “صدق الله” إشارة إلى قوله تعالى عن العسل “فيه شفاء للناس” والقرآن كله وحي, فهو طب ناجع في أمراض بعينها لأن الله عز وجل قال “فيه شفاء” وليس “الشفاء” لكل الأمراض كما أسلفنا,

فوجب على الباحثين المختصين البحث العلمي لتحديد فوائده, لاستعماله فيما يصلح له, فلا شك أنه سيكون له فوائد عظيمة في العلاج, ولا يكفي ولا يصلح ولا يجوز أن يدعي كل أحد أنه جرب ووجد, فيبدأ العلاج بما جرب, مما يعرض السنة لجهل الجاهلين أو نصب النصابين, وفي كلاهما شر,

فمعلوم أن هذا يفتح أبوابا واسعة لمن شاء أن يدعي أنه جرب ووجد, وهو لا جرب ولا وجد, والشىء الوحيد الذي وجده أن هذا الإدعاء بالكذب سيجلب عليه مالا وفيرا خاصة من أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية والمخدوعين بأن هذه سنة, وإن كان قد جرب ووجد, فتجربته وما وجده ليست دليلا على شىء, وإنما هي مجرد ملاحظة تصلح لأن تكون بداية لبحث علمي قد ينتج عنه نتائج يؤخذ بها,

فالعلم الدنيوى التجريبي المعترف به عند أهل العلم يبدأ بملاحظة يلاحظها مدقق, ثم يتبعها بتجارب في أماكن بحثية معتمدة كالجامعات ومعاهد البحوث, واشترط بعضهم ألا تكون في مكان واحد منها, بل في أماكن بحثية عدة, حتى يكون بعضها شاهداً ومراقباً للآخر, ويتم معرفة مدى مطابقة النتائج أو مخالفة بعضها لبعض, ثم بعد ذلك في حال الخروج بنتائج ذات دلالة علمية يستخدم فيها علم الإحصاء لمعرفة قيمة هذه الدلالة, تعتبر النتيجة نظرية علمية, وتستمر هذه النظرية فترة معتبرة من الزمن ليروا هل ستظل صامدة أم يثبت بعد ذلك ضعفها وتداعيها, فإذا صمدت أصبحت حقيقة علمية, بل وبعد ذلك كله كم من حقيقة علمية يثبت بعد زمن أنها ليست بحقيقة.

فما ثبت وحياً أن له قيمة طبية خاصة بالقرآن باعتبار أن كل ما فيه وحي, لابد أن يخضع للأبحاث بهذه الصورة العلمية ليس لإثبات أن به فائدة طبية فهذه قضيت بالقرآن, وإنما لمعرفة هذه الفائدة, وإذا قال البحث أن ليس فيه فائدة فإن الخطأ هنا في البحث لا في القرآن، ولا مانع أن يحدث نفس الشىء مع ما ورد صحيحا في أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن النباتات وغيرها, مع الأخذ في الإعتبار أننا نتعامل مع شأن دنيوي,

وقد أجريت مثل هذه الأبحاث بالفعل في بعض كليات الطب والصيدلة ودخل العسل والحبة السوداء وغيرهما في أدوية مرخصة تباع في الصيدليات كنتيجة لهذه الأبحاث, ولكن يكون ذلك تحت مسمى “طب الأعشاب” أو “الطب البديل” وليس “الطب النبوي” حتى لا نحمل السنة أخطاء البحوث ومزايدة المتاجرين, وجهل الجاهلين,

ولن يضير طب الأعشاب أو الطب البديل أن يكون داخله أشياء عليها شواهد من الشرع, وإنما الخلل والتزيد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى شرعه أن ندعي أن طب الأعشاب أو الطب البديل – إذا صح هذا العلم – هو طب نبوي رغم أنه نتاج خبرات متراكمة لمختصين وغير مختصين, بعض هذه الخبرات عليه دليل علمي, وأكثرها يحتاج لما يثبت ابتداءاً جواز تسميته طباً .


والنوع الأخير هو ما كان مرضا عضوياً, فعلاجه عند طبيب الأبدان وكلما كان الطبيب أكثر علماً كلما كان أولى بالعلاج.

وقد سبق حث النبي النبي صلى الله عليه وسلم للأطباء على التعلم وتبيان أن الجاهل من الأطباء ضامنٌ لما أتلف بجهله, وسؤاله للطبيبين الذين جاءا يعالجا أحد أصحابه فسألهما “أيكما أطب؟” فجعل الأعلم من الطبيبين أولى بالتطبيب.

ففي حالات الأمراض العضوية على المريض أن يبحث عن الطبيب الحاذق, ويعرض نفسه عليه, ويأخذ بإرشاداته وما يصفه له من دواء, ثم يدعو الله تعالى الذي بيده الأمر كله أن يحقق له الشفاء, ويحسن أن يكون هذا الدعاء بالصيغ المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم, أو بالرقي الشرعية المأثورة, وهذا المعنى هام جدا غفل عنه كثير من الناس, فالبعض يقتصر على الدواء, والبعض منهم يكتفي بالدعاء, وكلاهما مجانب للصواب, بعيد عن هدي السنة والكتاب, فلابد من استعمال الدواء والدعاء, ويلخص هذا القول تلخيصا غير مخل قول الناظم:

ذهبت أناجي طبيب الوري … وروحي تناجي إله السماء
فهذا الطبيب ليعطي الدوا … وربي ليجعل فيه الشــــفاء


خلاصة الكلام في الطب النبوي

أعلم أن ما كتبت قد يثير نفوساً كثيرة, إما إخلاصاً للسنة ظناً أن هذا يمس بها, ويعلم الله أن دافعي في الكتابة هو غيرتي على السنة, وما ذكرت إنما قال مثله البخاري ومسلم والشيرازي وابن القيم والقرطبي والطبري وغيرهم من أئمة الشريعة, حسبي فيهم أسوة, وهم مصادري في البحث.

كما قد لا يعجب هذا الكلام أناساً آخرين لهم في هذه الممارسات مآرب أخرى.

وقد يشرح الله به صدور قوم إلى الحق والوسطية بين الإفراط والتفريط, وهذا أملي, ولا أدعي أني أحطت بالأمر, وإنما فتحت باباً أسأل الله أن يكون باب خير.

أحسب أني أحسنت في أمور, وقد أكون أخطأت في أخرى, فما كان من خير فمن الله, وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان, وجزى الله خيراً من أرشدني إلى خير أو صوب لي خطأ .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

د.عصام منصور


مراجع كتاب الطب النبوي – الحقيقة والإدعاء

1- القرآن الكريم.

2- “الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي.

3- “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” للطبري.

4- “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير.

5- “تفسير الجلالين” للسيوطي والمحلي.

6- “الدر المنثور في التفسير بالمأثور” لجلال الدين السيوطي.

7- صحيح البخاري.

8- صحيح مسلم.

9- “فتح الباري في شرح صحيح البخاري” لابن حجر العسقلاني.

10- صحيح مسلم بشرح النووي.

11- مسند الإمام أحمد.

12- الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي.

13- المستدرك للحاكم.

14- سنن البيهقي.

15- “مسند الفردوس” للديلمي.

16- سنن الترمذي.

17- معجم الطبراني الكبير.

18- سنن ابن ماجة.

19- سنن النسائي.

20- “مجمع الزوائد” للهيثمي.

21- “الطب” لأبي نعيم.

22- “السيرة النبوية” لابن هشام.

23- “البداية والنهاية” لابن كثير.

24- “محمد صلى الله عليه وسلم” لمحمد رشيد رضا.

25- “الطب النبوي” لابن القيم.

26- “اللمع في أصول فقه الشافعية” للشيرازي.

27- “المعتمد في أصول الفقه” للدكتور محمد حبش.

28- “الأذكار النووية” للإمام النووي.

29- “كيف نتعامل مع القرآن العظيم” للدكتور يوسف القرضاوي.

30- “تاريخ المذاهب الإسلامية” للشيخ محمد أبو زهرة.

31- موقع إسلام اون لاين ” أحاديث الطب النبوي – هل يحتج بها؟” للدكتور محمد سليمان الأشقر 12/8/2004م.

32- موقع إسلام أون لاين “الطب النبوي – مفهومه ونشأته” للأستاذ معتز الخطيب 16/8/2005م.

33- موقع إسلام أون لاين “الأخطاء المنهجية في أبحاث الطب النبوي” للدكتورة صهباء بندق.

د.محمد منصور

دكتور محمد منصور طبيب الباطنة والكلى مستشفيات جامعة ليستر - بريطانيا مؤسس قناة و موقع الدكتور

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى