مقالات الرأي الطبيمقالات طبية

الطب النبوي الحقيقة والإدعاء – الفصل الأول

ما هي حقيقة ما يسمى بالطب النبوي؟ هل الحجامة سنة؟

هذا هو الفصل الأول من كتاب “الطب النبوي الحقيقة والإدعاء” – وهو أول بحث شرعي و طبي متكامل يقدمه كاتب إسلامي وطبيب متخصص (الدكتور عصام منصور) ليجيب عن أهم الأسئلة المتعلقة بما يسمى بالطب النبوي – هل هو من السنة؟ (هل الحجامة سنة مثلاً؟) هل هو من الدين؟ وهل هو من الطب؟

الطب النبوي الحقيقة والإدعاء - الدكتور عصام منصور
الطب النبوي الحقيقة والإدعاء – الدكتور عصام منصور – موقع الدكتور

ما هو الطب النبوي؟

من تقديم الكتاب للأستاذ الدكتور محمد حسين قنديل

أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بدمنهور (السابق)

فهذا البحث جديد في موضوعه ومضمونه , وقد أثبت بالدليل القاطع أنه لا يوجد في السنة ما يسمى ب « الطب النبوي » , ولكن هناك قوله صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع الباحث بعمله , وأن يجزيه خير الجزاء.. آمين

مقدمة الكاتب الدكتور عصام منصور

زاد الإهتمام بما يسمى بـ ” الطب النبوي ” بصورة لافتة وكبيرة , وأصبح كثير من الناس يمارسون هذا الطب , وأكثر منهم بكثير هم من يبحثون عن العلاج به , وانصرف هم العاملين به إلى نشره على أنه نشر لسنة درست , ومارسه آخرون كمورد لرزق وفير , وبدأه البعض بالنية الأولى ثم انتهي إلى الثانية لوفرة ما يجلب من المال لمن شاء ذلك, وامتلأت القنوات الفضائية بالمعالجين أو المروجين للطب النبوي , بعضهم يرى أنه ناشر للسنة , وبعضهم يعلم أنه يتاجر تجارة مضمونة الربح.

ومقصود الناس بالطب النبوي هي المعالجات التي ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعملها أو ذكرها ممتدحا أو موصيا بها أو مورست معه صلى الله عليه وسلم سواء ورد ذلك في السنة أو القرآن , وعلت صيحات المطالبة بالعودة إلى الطب النبوي , وهو ما يفهم منه أن الطب النبوي شيء كان موجودا ثم اختفى ثم اكتشف الناس غيابه فطالبوا بالعودة إليه.

فهل أصاب العائدون إلى الطب النبوي كبد الحقيقة , أم أن الأمر ما زال فيه تقصير في حق السنة ويجب أن يؤخذ بجدية أكثر واهتمام أشد , أم أن بعض المسلمين حملوا الأمور ما لم تحتمل وأسسوا علما هو ليس بعلم؟

وهل هو أصلاً سنة , وهل هناك ما يجوز أن يسمى بالطب النبوي ؟

هذه التساؤلات وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عنها بأدلة نقلية وعقلية , بحيث يكون الأصل هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة المطهرة بشروحات أئمة الفقه والتفسير والحديث , ثم تأتي بعد ذلك الأدلة العقلية زيادة في الفائدة.

والأصل أن الدليل العقلي أوالعلمي الصحيح لا يصطدم أو يتعارض مع دليل شرعي من كتاب وسنة قطعي الثبوت والدلالة , وإذا افترضنا حدوث هذا التعارض رجعنا للدليل الشرعي وقدمناه واتهمنا الدليل العقلي الذي سيثبت أنه غير صحيح , أو نتأكد من الدليل الشرعي هل هو فعلا قطعي الثبوت مثل كل آيات القرآن وما صح من حديث , ثم نتأكد هل هو أيضا قطعي الدلالة , أي ليس له معنى آخر , فإن كان كذلك فلا شك أن الدليل العقلي الذي يعارضه ليس صحيحا.

وكم من دليل عقلي ظن الناس زمانا أنه لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ثم ثبت أنه هو الباطل نفسه, وليس أدل على ذلك من ثبوت كروية الأرض ودورانها حول الشمس  بعد دهور كان الناس يؤمنون بأنها مسطحة وثابتة, ولما لفت جاليليو النظر إلى أنها كروية وتدور هى وغيرها حول الشمس سنة 1616م اتهمته الكنيسة بالزندقة والهرطقة وهددته بالقتل كما قتلت كوبرنكس لأسباب مشابهة من قبل, ثم ثبت للدنيا كلها أنه كان على حق.


صدام متوقع

إن التعرض بالنقد لإقرار صحة ما هو صحيح, وتصويب ما جانب الصواب في أمور أصبحت عند الناس من الثوابت التي لا يخطر على بال أحدهم أنه قد يعتريها خطأ من أي جانب, لهو من الأمور التي لا تحمد عقباها لدى البشر, و إن كانت تحمد عند الله، لأن الصدام واقع لا محالة مع من استقر في معتقده وموروثه أن هذا الثابت لا يجوز الإقتراب منه بمحاولة تغيير أو تصحيح, خاصة إذا تعلق بأمر ينسبه الناس إلى الدين كشأن الطب النبوي ( الذي هو موضوع هذا الكلام).

صدام من ناحية بين من اعتاد هذا السلوك وتلك الممارسات حتى أصبحت فوق أن تناقش, فضلاً عن أن يقال علقت بها أخطاء, وبين من يريد أن يزيل هذه الأخطاء التي يرى أنها علقت بها, و صدام من ناحية أخرى بينه وبين سدنة هذه الممارسات المتربحين منها وهم يعلمون أنه استرزاق وليس سنة, حفاظاً على هذا الرزق أن يضيع.

وهكذا تحول التدين عند كثير من الناس إلى طقوس علاجية بالقرآن والسنة, حتى امتلأت الجدران في الشوارع بعناوين وهواتف الذين يعالجون بالقرآن والحجامة, وكذلك الصحف والفضائيات التي أكثرت من برامج العلاج القرآني والنبوي, أو اختصت به قنوات فلم تقدم للمشاهد غيره.

وهناك من يعالج به من المتدينين ولا غبار على سائر سلوكياتهم والتزامهم بأخلاقيات الإسلام وتشريعاته, وهؤلاء نحسن بهم الظن ونعتقد أنهم يرون أنهم يحسنون صنعاً.

وهناك من لا يهمه السنة من البدعة وإنما يهمه كم يحَصّل من دخل عن طريق هذا العمل غزير الربح.

وهناك من تواضع مبلغه من العلم فلا يعلم من الإسلام أكثر من الطب النبوي إلا قليلاً, ويظن أن هذا هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, حتى صدق في مثله قول عمر بن عبد العزيز الذي ولي الخلافة بعد عشرات السنين من عهد النبوة، فقال في خطبة الخلافة ما معناه: «لقد وليت هذا الأمر و أنا أرى في الأمة دينا يحسبه الناس هو الدين, مات عليه الكبير , ونشأ عليه الصغير. والله إنه لأمر لا يعين عليه إلا الله ».

واجتهد عمر , وبدأ ينفي عن الإسلام ما علق به مما ليس منه, يساعده على ذلك بعد الله علمه وورعه وزهده ومكانته كخليفة للمسلمين, حتى عاد الإسلام قشيباً كما بدأ أول مرة, وحتى قال المؤرخون إن الناس في أول عهد عمر بن عبد العزيز كان الرجل منهم يلقى الرجل فيسأله : “كم بنيت من قصور وكم امتلكت من أموال؟”, وفى آخر عهده يسأل الرجل الرجل : “كم حفظت من قرآن وكم صليت من ركعات؟”


تحول التدين عند كثير من الناس إلى طقوس علاجية بالقرآن والسنة , حتى امتلأت الجدران في الشوارع بعناوين وهواتف الذين يعالجون بالقرآن والحجامة
تحول التدين عند كثير من الناس إلى طقوس علاجية بالقرآن والسنة , حتى امتلأت الجدران في الشوارع بعناوين وهواتف الذين يعالجون بالقرآن والحجامة

الوسطية بين الإفراط والتفريط

فى كتابه « كيف نتعامل مع القرأن العظيم », يقول الدكتور يوسف القرضاوي عن الإهتمام بالأشياء على قدر اهتمام القرآن بها: “وهنا قضية مهمة تتعلق بفقهنا للقرآن, وبالتالى فقهنا للإسلام كله, وهى : أن نجعل اهتمامنا بالأمور على مقدار إهتمام القرآن بها , بمعنى أن نتخذ القرآن معياراً لمدى أهمية الشيء أو عدمها .

فما عني القرآن بذكره من المعانى والموضوعات, وجعله في بؤرة اهتمامه, وكرر الحديث عنه بصورة و أخرى , وبأسلوب أخر, يجب أن يأخذ من عنايتنا واهتمامنا المكان اللائق به في الفكر والشعور والسلوك, و أن يكون لذلك أثره العملى في ميادين التثقيف والتربية
والتشريع , إقتداء بالقرآن. وما كانت عناية القرآن به أقل , كانت عنايتنا به في نفس الدرجة. فهذا في رأيى معيار لا يضل ولا يخطئ ((انتهى كلام الدكتور القرضاوي)).

وهذه محاولة – أسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم – مقصودها تصحيح المفاهيم, وإعطاء كل شيء حجمه الحقيقي , والعودة إلى الإسلام كما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم و صحبه الكرام بلا إفراط في شيء منه أو تفريط فيه, والإجابة على السؤال التالى:

كيف نعالج ؟ ومن نعالج ؟ وبم نعالج من الكتاب والسنة ؟

وما هو الصحيح فيما يمارسه الناس من ذلك ؟ وما هو دخيل على الدين فيه؟ جهلاً بحسن نية, أو قصداً بسوئها.

فهذا هو الدافع لكتابة هذا الكلام الصادم للبعض , المفيق للبعض الآخر , الموافق حسب ظنى ودليلى لشرع الله تعالى .


أقسام الطب

والطب ينقسم بصفة عامة إلى قسمين كبيرين, هما الطب الوقائي والطب العلاجي.

فالطب الوقائي يعني الحيلولة ما أمكن دون وقوع المرض , وذلك بتفادي الأسباب التي من المتوقع أن تؤدي إليه مثل التعرض إلى أجواء غير صحية في المسكن أو الملبس أو البيئة غير الصحية بشكل عام, أو محاولة منع بعض الأمراض الوراثية  بالبعد عن زواج الأقارب أو الكشف الطبي قبل الزواج, وكذلك مكافحة الجراثيم المسببة للعدوى, والحث على عدم الإزدحام , وعزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية, واستعمال الأمصال واللقاحات التي تقي من بعض الأمراض والتوسط في الطعام والشراب.

وقد تحدث القرآن في مثل هذه الأمور بشكل عام وذكرت السنة بعضا من الأحاديث التي مقصودها منع حدوث المرض أو إنتشاره , مثل قول الله تعالى ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ” وقوله سبحانه ” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” , وقول النبي صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد عن الوباء إذا وقع في  مكان ما لمنع تفشيه في أمكنة أخري :

(إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه)

, وقوله الذي خرجه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن, بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).

أما الطب العلاجي فيختص بأسباب الشفاء للمرض الذي وقع بالفعل,  سواءا بالراحة في الفراش فحسب أو باستعمال صنف أو أكثر من الأدوية الجالبة للشفاء بإذن الله, كالعلاجات المتناولة بالفم أو الحقن, أو الجراحات أو الطب الطبيعي, أو ما يسمونه بالطب البديل كالإبر الصينية وغيرها.

والقسم الأول الذي هو الطب الوقائي ليس مثارا للخلاف ويعتبر الإهتمام به أولى من الإهتمام بالطب العلاجي حتى قالوا إن ” الوقاية خير من العلاج ” لأن منع المرض وتقليل الحالات المرضية يجعل علاج هذه الحالات القليلة أفضل وأكفأ.

و لكن الذي يثير الخلاف من حيث علاقة السنة به هو الطب العلاجي. فهل في السنة طب علاجي أم لا؟

بمعنى هل هناك أدوية تداوى بها النبي صلى الله عليه وسلم , وأمر بالتداوي بها حتى أصبح ممارستها جزءا من الدين ؟

وهل هناك وسائل للعلاج لم تكن موجودة استحدثها الرسول صلى الله عليه وسلم؟

وفي أي من الحالتين هل يندرج العمل بهذه الممارسات الطبية تحت واحدة  من الأحكام الشرعية الخمسة؟ ( الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام )

وما دليل ذلك ؟


نشر كتاب الطب النبوي الحقيقة والإدعاء

تم نشر الطبعة الأولى من كتاب “الطب النبوي – الحقيقة والادعاء” لكاتبه الدكتور عصام منصور عام 2010 – إصدار المركز الثقافي العربي (اتحاد الأطباء العرب) – تقديم ا.د. محمد حسين قنديل (أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بدمنهور) وتم الحصول على حق نشر الكتاب على موقع الدكتور من الكاتب الدكتور عصام منصور في ديسمبر 2021. حقوق النشر والطبع محفوظة للمؤلف ولا يمكن إعادة النشر إلا بإذن كتابي من المؤلف.


انتقل للفصل الثاني من هنا: ((نبذة تاريخية عن الطب النبوي))

يمكنك مشاهدة فيديو “الحجامة – طب ولا عك؟” للدكتور محمد منصور على قناة الدكتور من هنا أو هنا

د.محمد منصور

دكتور محمد منصور طبيب الباطنة والكلى مستشفيات جامعة ليستر - بريطانيا مؤسس قناة و موقع الدكتور

اترك تعليقاً

Back to top button